تثبتُ المنظماتُ الإنسانية والناشطون الموجودون على الخطوطِ الأمامية في إدلب أنه منَ الممكنِ بناءُ سوريا جديدة. يسردُ هذا التقرير قصصَهم البطولية.

الملخصُ التنفيذي

“"إنَّ الطريقةَ الوحيدةَ لبناءِ سوريا جديدة هي عبرَ المجتمع المدني. لا يوجدُ أيُ سبيلٍ آخرَ لتحقيقِ الأمر. لا يمكنُ النجاحُ في ذلك من خلالِ الأسلحة، ولا يمكنُ أنْ يحدثَ ذلك بواسطةِ الوقائعِ والمعطياتِ التي يحاولُ الآخرون فرضها. إنَّ سعينا لبناءِ سوريا التي نحلمُ بها يتحققُ في القوةِ الجماعيةِ للمجتمعِ المدني من خلال الأعمالِ والرؤى المختلفة لمكوناتِه.

“بعدَ مرورِ سبعِ سنوات، أصبحتُ أعلمُ أنَّ التغييرَ يحدثُ على مستوى الفرد، وليس مِن طريقِ تغييرِ رئيس النظام. لقد تعرضنا للاضطهاد على مدى 50 سنة. زرعَ النظامُ "أسداً" صغيراً داخلَ كلٍ منّا. إنَّ العملَ على الفردِ سبيلُ الخلاصِ الوحيد”

- رائد فارس، اتحاد المكاتب الثورية

لم يكن أحدٌ ليتوقع الثمنَ الذي سيلزِمُ التاريخُ السوريين بدفعه في مقابل مطالبتهم بالحريةِ والديمقراطية. نرى في إدلب كيفَ يُدفعُ الثمنُ الأعلى مع أكثرِ من مليونين وستمئة ألف مدني حُشروا بما يعرف بـ"مربع القتل"1 حيث يشنُ النظامُ السوري والقواتُ الروسية هجماتٍ جوية يومية. لقد أُجبِرَ نحو نصف هؤلاء المدنيين على الهروبِ من بيوتِهم إلى أماكنَ أخرى داخلَ سوريا. ومنذ عام 2016، هناك شخصٌ واحدٌ على الأقل يتم تهجيره إلى إدلب في كل دقيقة2.

أحدثَ التدفقُ المستمرُ للأشخاصِ المحتاجين إلى المساعداتِ والمأوى والرعاية الصحية أزمةً إنسانيةً يمكنُ التنبؤ بها والوقايةُ منها في إدلب. أضِف أنَّ طبيعةَ عمليةِ الإغاثة في سوريا، وافتقارها للحيادية، تعني أنَّ توفيرَ المساعداتِ لا يزالُ يفشلُ في الوصولِ إلى أولئك الذين هم في أشدِ الحاجة إليها في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة3، والتي تُعَدُّ إدلب الأكثرَ اكتظاظاً بالسكانِ من بينها. ولا يزالُ هناك 1.73 مليون شخصٍ بحاجةٍ إلى المساعداتِ الإنسانية4.

سمحت وحشيةُ نظامِ الأسد بنمو الجماعاتِ المتطرفةِ في المنطقة وازدهارِها فيها. وهي تهددُ حياةَ الناسِ مرتين؛ أولاً كونهَا توفِرُ مبرراً وذريعةً للهجماتِ الجوية، وثانياً من خلال اعتداءاتِها على المدنيين ومحاولاتِ السيطرةِ على مواردِ المنطقة والخدماتِ والتمويل. ويشكلُ هؤلاء المقاتلون المتطرفون الذين يبلغ عددهم نحو 10,000 مسلحٍ تهديداً لباقي سكان إدلب المدنيين الذين يبلغونَ 99 % من الموجودين في المنطقة.

وفي حين أنَّ العديدَ من البلداتِ والمدنِ السورية تقعُ تحتَ سيطرةِ الجماعات الإسلامية، فإن تنظيمَ "الدولة الإسلامية" (داعش) طُرِدَ بالكامل من إدلب عام 2014. كما ركزت مجموعةٌ أخرى، وهي "جبهة النصرة" (المعروفةُ حالياً باسم "هيئةِ تحريرِ الشام") على إدلب منذ بداية وجودها في سوريا. وبينما كانت تحتفظُ بموطئ قدمٍ لها هناك، نجحت مراكزُ سكانيةٌ كبيرة مثل الأتارب ومعرة النعمان في إخراجِ المسلحينَ منها. ولا تزال الجماعاتُ المتطرفةُ تفتقر إلى الشعبية في أرجاءِ إدلب كافةً5.

وفي المقابل، تحظى منظماتُ المجتمعِ المدني بدعمٍ شعبي منَ السكانِ المحليين، وهي تقدِّم الخدماتِ الرئيسية لهم كالتعليمِ والدعم الإنساني. كما أنها تُسلطُ الضوءَ على أعمالِ الجماعاتِ المسلحة، الأمر الذي يستحقُ دعمَ المجتمع الدولي. إلا أنه لا يمكنُ توقعُ أن يكونَ المجتمعُ المدني قادراً بمفرده على هزم تلك المجموعات، ولا يمكنُ إزالةُ التطرفِ من الوجود بمجردِ قصفِ مواقعِه، إذ ينمو المتشددون في بيئاتِ الفقر والفوضى. مع ذلك يبقى المجتمعُ المدني بصورته الحالية ومواردِه عنصراً حاسماً في احتواءِ تلك المجموعات وإلحاقِ الهزيمة بها في نهايةِ المطاف.

وفي مواجهةِ الهجماتِ من كلِ حدبٍ وصوب، يواصلُ المجتمعُ المدني في إدلب العملَ بفعاليةٍ وتصميمٍ ملحوظَيْن. وفي المناطقِ المعروفةِ على المستوى الدولي لوقوعِ مجازر فيها، هناك قصصٌ غيرُ محكيةٍ بعد عن مئاتِ المجموعاتِ التي توفرُ الخدماتِ التي يحتاجُها المدنيون للبقاءِ على قيد الحياة. إلا أن اقتصارَ نظرتِنا على الخدماتِ المقدَّمة يعني أننا نتجاهلُ النقطة التالية: يمثلُ المجتمعُ المدني في إدلب أفضلَ فرصةٍ للمؤسساتِ الحرةِ والديمقراطية وأبطالها كي يثبتوا أنَّ قيامَ سوريا أخرى أمرٌ ممكن.

وعلى الرغمِ مِنَ الطبيعةِ المُتوقعةِ للأزمةِ التي تواجهُها إدلب، فإنَّ ثمَّة نقص في الأفكار والتخطيط الطويل المدى من جانبِ المجتمع الدولي وأولئك الذين لديهم صلاحياتُ دعمِ المجتمع المدني المحلي. لقد شهدنا تراجعاً مقلقاً في تمويلِ تلك المنظماتِ السورية المحلية، على الرغمِ من أنها تكافحُ من أجلِ الصمودِ في وجهِ النظامِ السوري والمجموعاتِ المتطرفةِ على حدٍ سواء. يثبتُ هذا التقرير أنَّ الأفكارَ الخاصة بمجتمعٍ عادلٍ ومُنصفٍ يجب أنْ تأتيَ من المجتمعِ المدني، إنه دعوةٌ إلى أولئكَ الذين لديهم الصلاحياتُ والسلطة لتحقيقِ ذلك.

حلب حماه اللاذقية إدلب حارِم جسر الشغور أريحا معرّة النعمان 62 81 66 119 87 Non-relief activiteseg peacebuilding, rule of law Relief activiteseg WASH, protection منظمة في غير قطاع الإغاثة 59 منظمة في قطاع المساعدات 137 المجتمع المدنيفي إدلب

كل المعلومات من تقريرِ "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية" التابع للأمم المتحدة الصادر في تشرين الأول 2017 بعنوان "تركيا/سوريا : الوجودُ العملاني لمنظمات المجتمع المدني السوري – لمحة".

"قطاع الإغاثة" يشملُ التربية، الصحة، حقوق الإنسان، تنسيق المخيمات وإدارتها ومهمات أخرى. ما يُصنَّف بـ"غير قطاع الإغاثة" يشملُ الحوْكمة والحكم الرشيد، تمكين المجتمع المدني، بناء السلام وسوى ذلك. ويُذكر أن العديدَ من المنظماتِ يصحُ تصنيفها في أكثر مِن فئة وقطاع.

01

إنقاذُ الأرواحِ تحتَ القصف

نجم عن سنواتِ الحربِ السبع والنزوحِ الهائلِ أزمةٌ إنسانيةٌ حرجةٌ في إدلب. وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، 65% من السكانِ "معوزون"6، وقطاعا الحمايةِ والصحةِ هما الأكثرُ حاجةً للمساعدة. وكانت المنظماتُ التي يقودُها سوريون في طليعةِ هيئاتِ الاستجابة الإنسانية، فقدَّمت مروحةً واسعةً من الخدماتِ المتميزة، بناءً على متطلباتٍ محددة على المستوى المحلي. ويتحدثُ قادة تلك المنظمات عن قصصِ نجاحهم وأبرز التحديات التي واجهوها.

وقفُ القصف

في كل المقابلاتِ التي أُجريت لهذا التقرير، اعتُبِرَت الهجماتُ الجويةُ أكبرَ تحدٍّ أمامَ مقدمي الخدمات الإنسانية ومجموعاتِ المجتمع المدني. ويدحضُ طابعُ تلك الغاراتِ مزاعمَ النظامِ السوري وروسيا بـ"مكافحةِ الإرهاب"، إذ يثبتُ أنها استهدافٌ ممنهجٌ للمدنيين والبنى التحتيةِ الحيوية.

وحذر مسؤولونَ في الأمم المتحدة أخيراً من تحولِ إدلب "حلبَ جديدة" 7، وهو مصطلحٌ بدأ استخدامه راهناً للدلالةِ على دمارِ منطقةٍ برمتها بشكلٍ كامل. غير أنَّ مثل هذا التشبيهَ يتجاهلُ حقيقةَ أنَّ المدنيينَ في أنحاءِ المحافظة ليس لديهم مكانٌ آخرَ يذهبون إليه، في ظلِ وجود فرصٍ ضئيلةٍ للعودةِ إلى ديارهم، حتى لو توقفَ القتال. أضف أنَّ أكثرَ من 440,000 شخصٍ يعيشون في المخيماتِ أو في المباني العامة 8. وعلى رغم كل شيء، لم نشهد بعد حملةً جويةً متواصلة على المخيمات، وليس ممكناً تخيلُ الكلفةِ البشريةِ التي يمكنُ تكبدُها جراء ذلك. وبالإضافةِ إلى العبء الهائلِ للاستجابة لآثارِ القصف، فإن التهديدَ اليومي بالتعرضِ لهجماتٍ يزيدُ صعوبةَ العملِ اليومي الروتيني أمام مجموعاتِ المجتمع المدني. وتالياً فإنَّ طلبَ الحصولِ على الحمايةِ من الأجواءِ ووقف القصف هو أكثرُ الطلباتِ تكراراً من قِبلِ المجتمعِ المدني.

"لا وجودَ للإنسانية عندما تكونُ كل تلكَ الأنواعِ من الأسلحة تضربنُا يومياً ولا أحدَ يتدخل... إنَّ المجتمعَ الدوليَ يسمعُ ويرى كل ما يحدث. أينَ الإنسانيةُ في مثل هذا الوضع؟ لا توجدُ إنسانيةٌ! لقد ذكرتُ في إحدى منشوراتي على الفايسبوك أنني أرغبُ في تقديمِ طلبٍ للتسجيلِ كي أكونَ حيواناً لا إنساناً. ربما يلتفتُ العالم إلينا حينها بشيء من الاهتمامِ لو كنّا حيوانات".
- محمد س (اسم مستعار)، نائبُ مديرِ مدرسة

"لا يمكننا التجمعُ في المناطق التي نذهبُ إليها لجمعِ تبرعاتٍ بالدم لأننا نخشى استهدافَ القصفِ أيَ مجموعةٍ من الناسِ المحتشدينَ في الشارع. وبنتيجةِ لذلك، يضطرُ فريقُ جمعِ الدم إلى الذهابِ إلى مناطقَ مختلفة لجمع 20 كيساً من الدم على سبيل المثال لكونِ أفراده مجبرين على التوجهِ إلى كلِ شخصٍ في مكان وجوده من أجل جمعِ تبرعاتِ الدم بصورةٍ فرديةٍ..

"إنَّ السياراتِ التابعةِ لفريقنا معرضةٌ لخطرِ الاستهدافِ أثناء قيامنا بمهماتنا، خصوصاً في ساعاتِ الليل، لذلكَ لا يستطيعُ أعضاءُ الفريق استخدام أضواء السيارة ويضطرون للقيادةِ في الظلامِ الدامس".

- الدكتور فداء، منظمة الأطباء المستقلين

"إذا كانَ المجتمعُ الدولي ملتزماً بالفعلِ بدعمِ المجتمعِ المدني هنا، يجب أنْ يكونَ هناك المزيدُ من الجهودِ والضغطِ على صُناعِ القرار، من جميعِ الأطراف، من أجلِ وقفِ الهجماتِ الجوية العشوائية. فمِن شأنِ تطهيرِ سمائنا من الخطرِ مساعدةُ الناشطينَ والمتطوعين على التحركِ بحريةٍ أكبرَ للعملِ في مجتمعاتِهم المحلية.

"لن تنجحَ أيُ خططٍ مستقبليةٍ لبناءِ السلامِ ودعمِ المدنيين إلا بتوقفِ الهجماتِ الجوية التي يشنها نظامُ الأسد وروسيا. وستذهبُ سدى ملايينُ الدولارات الآتيةُ من المنظماتِ الدوليةِ غير الحكومية لأنها لا تستطيعُ إنقاذَ المدنيين من الصواريخِ والبراميل التي تسقُط على بيوتهم".

- محمد راسم، زوم إن

البرمجةُ مِنَ الصفر

بدأ مقدّمو المساعداتِ الإنسانية المحليون ومنظماتُ المجتمع المدني في إدلب كمجموعاتٍ تطوعيةٍ يقودُها المجتمعُ المحلي ثم نمت وتوسعت لتصبحَ عملياتٍ واسعة النطاق تعملُ بمئات الموظفين. وتساعدُ هذه الجذور في الحفاظِ على مستوياتِ الثقةِ اللازمةِ لخدمةِ السكانِ وتحديد الاحتياجاتِ المنبثقةِ من اعتباراتِ المجتمعاتِ المحليةِ وتقديمِ الخدمات استجابةً للسياقِ السريعِ التغيرِ في المنطقة.

إنَّ المواردَ البشريةَ الكبيرةَ والخبراتِ التي تمَّ تطويرُها هي الآن خدماتٌ مدارةٌ من الأرضِ مباشرةً. وهذا ما يسمحُ للمجموعاتِ بتقديمِ الخدماتِ الفوريةِ تلبيةً للسياقاتِ المستجدةِ المتغيرةِ بشكلٍ سريع؛ بدءاً من حفرِ الخنادقِ بعد سيولٍ وصولاً إلى توفيرِ مساكنَ للنازحينَ داخلياً. وتالياً يمكنُ لهذه المنظماتِ أنْ تعملَ بسرعةٍ لا تستطيعُ منظمةٌ غيرُ حكوميةٍ دوليةٍ مجاراتها. كما تتيحُ تلكَ الخبرةُ التخطيطَ على المدى الطويل. مثالٌ على ذلك تشكيلُ "حملة إدلب الكبرى"، وهي عبارةٌ عن هيئةٍ تنسيقيةٍ تتكونُ من مقدمي خدمات رئيسيين، من بينهم الخوذ البيضاء (الدفاع المدني السوري)، "فيولت" و"فريق مُلهِم التطوعي".

وتمكنتِ الحملةُ من الاستجابةِ لحاجاتِ النازحين على نطاقٍ واسع، إذ اضطلعت كلُ منظمةٍ بمهماتٍ قيادية لعناصر مختلفة. تولت الخوذ البيضاء وسائلَ النقل، بينما أوكلت "فيولت" نفسها بتوفيرِ الطرود الغذائية، وأخذت "ملهم" مهمةَ تأمينِ البطانيات، وقامت "راكين" بتزويد النازحينَ بالملابس. أخيراً، كان الممارسون الطبيون ومقدمو الخدمات التعليمية في طليعةِ تحصينِ مراكزِ وجودهم أو نقلها تحت الأرض رداً على التهديدِ المستمرِ للهجمات الجوية. للأسفِ لا يتم تمويلُ هذا العملُ التحصيني المهم من قِبلِ الجهاتِ المانحةِ الدولية بسبب قوانينَ بالية تغفلُ الحاجةَ إليه.

يجبُ على الجهاتِ المانحةِ والمنفذين الدوليين وقفُ النظر إلى الاستجابةِ الإنسانيةِ باعتبارها سلسلةً من المشاريع، وبدءُ الاستثمارِ في هذه المجموعاتِ المحلية على أنها مؤسسات ومنحها الاستقلاليةَ لتحديدِ الاستجابِة المطلوبةِ ومواقعِها.

"يجب أنْ نتلقى كلَّ ما نحتاجُ إليه كي نحافظَ على حياةِ البشر... وما يقومونَ به [الحكومات المانحة] هو العكسُ تماماً. إنها تعيقُ الدعمَ الطبي وكل الدعمِ المطلوب للمنظماتِ العاملة في المنطقة. أتمنى حقاً أنْ نصبحَ قادرينَ على البقاءِ على قيد الحياة وأنْ نحافظَ على كرامتنا. خرجْنا في وجهِ النظامِ لأننا أردنا استعادةَ كرامتنا. أريدُ أنْ تكونَ المنظماتُ الإنسانيةُ إنسانيةً بالفعل وأنْ تتعاطفَ معنا وأنْ تعاملنا بكرامةٍ وتدعمنا".
- عنون، عاملٌ طبي
"إنَّ مجموعاتِ المجتمع المدني قادرةٌ على التغلبِ على الأيديولوجياتِ العنيفةِ والمتطرفة التي تنتهجها "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) وتنظيم "القاعدة"، إلا أننا نخشى كوْنَ الجهاتِ المانحة والمجتمع الدولي على غيرِ درايةٍ بهذه الحقيقة. وفي حالِ توقفَ التمويلُ الدولي، لن تكونَ غالبيةُ المنظماتِ قادرةً على الاستمرارِ بالعمل لأننا لنْ نكونَ قادرينَ على تمويلِ أنفسنا".
- محمد راسم، زوم إن
"من المهمِ جداً أنْ نقومَ بالمزيدِ من التنسيقِ مع الجهاتِ المانحة في ما يتعلقُ باحتياجاتنا. ويهمنا حقاً أنْ يتمَّ الاستماع إلينا باعتبارنا عاملينَ في هذا المجال، وأنْ تجري عمليةُ تقييمِ الاحتياجاتِ من الميدان".
- الدكتور فداء، منظمة الأطباء المستقلين

لا استسلامَ أبداً

إنَّ التزامَ المنظماتِ السورية وقادةِ المجتمعِ المدني الاستمرارَ في الخدمة، خصوصاً أثناء استهدافهم، أمرٌ يدعو إلى الإعحاب والاحترامِ. وقد أتيحت فرصةُ المغادرة للكثيرين ممن أُجريَتْ معهم مقابلاتٌ ولكنهم آثروا البقاءَ بسبب التزامهم العملَ في مجتمعاتهم.

وبالفعل، فقد ابتعدَ البعضُ ثم عادوا إلى ديارهم لخدمةِ إخوانهم المدنيين، بينما قام آخرونَ ممن رُحِّلوا قسراً من أماكن أخرى في سوريا بإعادةِ تأسيس أعمالهم في إدلب. ومعظمهم لا يقتصِرُ دافعهُ على دعم مجتمعاته من أجل الصمودِ فحسب، بل يتعدى ذلك إلى السعيِ لتحقيق الهدفِ الأكبرِ المتمثل في بناءِ بلدٍ حرٍ وديمقراطي.

"كان بإمكاننا المغادرةُ إلى تركيا، ولكن من كنا ىسنتركُ خلفنا حينها؟ استمرَّ أبي في الاهتمام بالآخرين قائلاً ‘ماذا عن الناسِ الآخرين الذين لا يستطيعونَ المغادرةَ، من سيساعدهم؟’"
- مُزْنة، منظمة النساء الآن من أجل التنمية
"إننا ننشطُ في ظروفٍ لا يستطيعُ العملَ في ظلها إلا المجانين. ولكنني سعيدٌ هكذا. لا أريدُ أنْ أغادر. كلما زادتِ الصعوباتُ التي تعترض طريقي أزدادُ إصراراً".
- رائد فارس، اتحاد المكاتب الثورية

"أنا متفائلٌ وآملُ في أنْ نصبحَ قادرينَ على تقديمِ المزيد من الخدماتِ الفريدةِ التي تحتاجُ إليها المنطقة. أعني بذلك الخدماتِ التي نادراً ما تقدَّمُ على رغمِ الحاجة إليها. أنا لا أستطيع حتى أنْ أتصورَ توقفي عن القيام بذلك. لا يمكنُ أنْ يحدثَ ذلك. لن يثنينا عن ذلك إلا الموت. الموتُ هو الشيء الوحيدُ الذي يمكنه إيقافنا.

"الحياةُ لا تتوقف أبداً. ما مررنا به زادنا قوةً. فلو أن المدنيين قبعوا في منازلهم ينعون ما حصلَ لهم في وقتِ الحرب، لكانتِ الحياةُ توقفت منذُ زمنٍ بعيد، حتى قبلَ أنْ نوجدَ نحن".

- الدكتور فداء، منظمة الأطباء المستقلين

إيجادُ الحلول

في مواجهةِ التحديات، أوْجدَ الأشخاصُ الذين أجريتِ المقابلاتُ معهم حلولاً خلاقةً من أجلِ مواصلةِ عملهم. فمن التدريسِ على برمجيةِ WhatsApp إلى إنشاءِ لجانِ مصالحةٍ جديدة، يتمُ استنباطُ الابتكارِ من قِبلِ المجتمعاتِ المحلية وإعلاءُ شأنه، ذلك أنَّ الحاجةَ ملحةٌ لدعمِ هذا الإبداع، لا سيما عندما يتبينُ لنا بأن لا نهايةَ قريبةً للهجماتِ الجوية. إنَ هذا الإبداعَ هو أعمقُ تعبيرٍ عن الحبِ والإنسانية، إذْ ننظرُ إلى ما هو غيرُ ممكنٍ ونوجِدُ منه ما هو ممكنٌ.

لا بد تالياً مِنَ الاستثمارِ في المواردِ الملائمةِ دعماً لذلك.

"سنِطلقُ في عام 2018 مشروعاً جديداً سميناه سفراء السلام. وهو يشملُ لجانَ المصالحة لاستعادةِ النسيجِ الاجتماعي السوري، مع التركيزِ على الأقلياتِ وسدِ الفجوةِ بين القبائلِ البدوية وسكانِ المناطقِ الحَضَرية. كما نهدفُ إلى إعدادِ المجتمعاتِ المحلية في المناطقِ الخارجة عن سيطرةِ النظام لقبولِ الآخر، ولدينا توقعٌ في ما يتعلقُ بالمرحلة القادمة".
- محمد راسم، زوم إن
"مع وجودِ العديدِ من النساء اللواتي يدرسنَ في الجامعات واللواتي تتضاربُ جداولُ محاضراتِهنَ الجامعيةِ مع ساعات تواجدهنَ في مراكزِ الدفاعِ المدني السوري [الخوذ البيضاء]، توصلتُ إلى جدول بديلٍ يستوعبُ برنامجَ محاضراتِ الجامعةِ ويسمحُ للنساء بحضورِ الدروس".
- نورا حلبي (اسم مستعار)، الخوذ البيضاء

"في الفترةِ الأخيرة تمثلتِ المشكلةُ الرئيسيةُ في قصفِ النظام السوري وكَونِ بعضِ الناس لا يستطيعون المجيءَ إلى مركزِ الجامعةِ بسببِ مشاكلَ مالية وأمنية، لذلك زودتهُم برقمِ هاتفي كي يكونوا قادرينَ على سؤالي عن أي شيء. في بعضِ الأحيان كنتُ أعطيهم المحاضرةَ عبر تطبيقِ WhatsApp. يمكن أن يطلبوا مني أي شيء لأنني أعرفُ أنَّ هناكَ العديدَ من المشاكلِ التي تواجههم، فأحاولُ مساعدتهم كلما كانوا بحاجةٍ لذلك.

"لدي مجموعةٌ مكونةٌ من 30 طالبَ حقوق. إنهم لا يستطيعونَ الحضورَ إلى الجامعة، لذلك أبلغتُهم بأنَّ بإمكانهم أنْ يتلقوا المحاضرة عبرَ برمجية WhatsApp. حاولتُ أنْ أشرحَ لهم المادةَ باللغة الإنكليزية. لم أسمح لهم بالتكلم باللغةِ العربيةِ طيلة الجلسة. كانوا يرسلون إلي رسائلَ صوتيةً وكنت أردُ عليهم برسائل نصية، وكانوا يبعثونَ إجاباتهم عبرَ الرسائل الصوتية".

- عبد الكافي الحمدو، جامعة حلب الحرة
"في عام 2015 بدأنا نعطي دوراتٍ في تصفيفِ الشعر والتمريض، وفي مطلعِ عام 2016 باشرنا دوراتِ حياكةِ الصوفِ والتدريب على عمل الإكسسوارات في المنزل. كان التدريبُ على صُنعِ الإكسسوارات شيئاً جديداً في المنطقة، وأنا أشعرُ بالفخر عندما أقول إنَّ المدربةَ في مركزنا ابتكرت تلك الفكرة. حضرت إليّ وحدثتني عن إمكانِ صنعِ اكسسوارات الشعر مثل ألشرائط، والمشابك، ثم استغرقها الأمرُ أسبوعين لمشاهدةِ مقاطع فيديو والتعلم من YouTube. وحين عادت بَدأتْ الدورةَ التدريبية".
- مُزْنة، منظمة النساء الآن من أجل التنمية
02

نساءٌ يتولين قيادةَ الطريق

أثَّر النزاعُ السوري بشكلٍ كبيرٍ على النساء والفتيات.9 فقد أدى صعودُ الجماعاتِ المتطرفةِ إلى تفاقمِ استبعادِ النساءِ مِنَ الأدوارِ القياديةِ في هيئاتِ الحكم المحلي والمجتمع المدني، إذ تواجهُ النساءُ والفتياتُ تهديداتٍ عديدةً لحقوقهنَ، بما في ذلك الزواجُ المبكر.

ومع ذلك، فإنَّ النساءَ السوريات في إدلب، وفي أماكنَ أخرى، يقمنَ بالردِ بحزمٍ على محاولاتِ إسكاتهنَ وكبحهنَ، وثمَّة العديد منَ الأمثلةِ على تأسيسِ النساءِ مجموعاتٍ من المجتمعِ المدني وقيادتِها.

تضطلعُ النساءُ بمناصبَ مهمة في بعضِ المجالسِ المحليةِ وهيئاتِ الرعايةِ الصحيةِ والمنظماتِ الإنسانية. وتبينَ أن المشاريعَ التي تقودُها النساءُ تثبتُ قدرتهنَ على إحداثِ تحولٍ في مفاهيمِ المجتمع المدني وتصوراته، حتى في المجتمعاتِ المحلية الشديدة المُحافَظَة.

وهذه الأمثلةُ وإن تكن لا تزالُ قليلةً، فإن نجاحَها يشكلُ فرصةً مهمةً للبناء عليها.

تتمتعُ النساءُ في إدلب بفهمٍ عميقٍ لاحتياجاتٍ المجتمعِ المحلي، وتقدِّمُ برامجهن رؤيةً لقيامِ مجتمعٍ أكثرَ مساواة وعدلاً. ولهذا السبب، من الضرورة بمكانٍ أن تحظى المجموعاتُ التي تقودُها النساءُ بالدعمِ كي توسعَ نطاقَ أعمالِها.

بقيادةِ النساء

قامت المشاريعُ التي تقودُها النساء استجابةً للتحديات الكبيرة والملِّحة. على سبيل المثال، ظهرَ عملُ الخوذ البيضاء من الإناث نتيجةً الحاجةِ إلى تقديمِ الخدماتِ على نطاقٍ أوسع. وبينما ركز متطوعو الخوذ البيضاء الذكور على البحثِ والإنقاذِ وإزالةِ الأسلحة المتفجرة، تمكنت النساءُ في مجتمعٍ أكثر تحفظاً من الذهابِ إلى المنازل حيث لم يكن الرجالُ قادرينَ على ذلك لإجراءِ دوراتٍ تدريبيةٍ للتوعية أو تقديمِ خدماتٍ صحية للأمهات.

من المعلومِ أنَّ العديدَ من العائلات خسرت الأزواجَ والأبناء والآباء الذين قُتلوا أو غادروا المنازلَ للقتال تاركينَ النساء يُدِرْنَ الأسرةَ ويكسبنَ لقمةَ العيش. وقد أدى ذلك إلى تطويرِ نشاطاتِ التمكينِ الاقتصادي، بما في ذلك التدريب في مجالِ الأعمالِ التجارية، والقيادة أو الخياطة، وكذلك التدريب المهني للواتي لديهن مؤهلٌ تعليمي ثانوي أو متوسط، مما أتاحَ فرصاً جديدة مع الكياناتِ المهنية مثل المنظمات غير الحكومية.

عندما يشعرُ المجتمع المحلي هنا بالأثرِ الإيجابي الذي تُحْدِثُه النساءُ العاملات، ليس فقط في المجالاتِ التعليميةِ والإداريةِ والقيادية، وإنما أيضاً بينَ النساء اللواتي تعلمْنَ مهنةً وبدأن في بيعَ منتجاتهن، فإنه لن يقفَ في وجههن".
- مُزْنة، منظمة النساء الآن من أجل التنمية
انطلقت فكرةُ المنظمةُ السورية للمرأة في كانون الثاني/يناير 2017 بعدما رأينا حجمَ المشاريعِ المُقدَّمة للنساء التي لم تراعِ احتياجاتهِن كأولوية. ولتجنبِ تشتتِ الجهودِ وتخفيفها، كان علينا أنْ نتخذَ المبادرةَ وأنْ نتحدثَ عن أنفسِنا والنساء الأخريات. ثمة الكثير من العمل الذي يتوجبُ إنجازُه في مجال التوعية".
- مريم شيروت، المنظمة السورية للمرأة وزوم إن
"نعملُ مع العديدِ من النساء مِمن هنّ طالباتٌ جامعياتٌ ونضعُ جداولَ العملِ وفق مواعيدِ محاضراتهن ليتسنى لهن حضورُها. نخصصُ للأمهات ساعةً ونصف الساعة يومياً لرعاية أطفالهن وإرضاعهن وفقَ جدولٍ مرنٍ. كما نقدِّمُ إجازةَ أمومةٍ لمدةِ أربعةِ أشهرٍ وإجازةً مَرَضيةً لشهرٍ واحد مدفوعة الأجر بنسبة 80%".
- نورا حلبي (اسم مستعار)، الخوذ البيضاء
"هناك مشروعٌ آخر أطلقنا عليه اسم ‘الدمشقية ابنة إدلب’ يهدفُ إلى دمجِ النساءِ اللواتي هُجِرنَ قسراً من ريف دمشق إلى المجتمعاتِ المحليةِ في إدلب. وفي إطارِه تقوم نساء إدلب بنقلِ مهاراتهن للنازحات وكذلك تفعلُ النازحات في المقابل".
- محمد راسم، زوم إن
"أنجزنا الكثيرَ من المشاريع مع النازحاتِ داخلياً، بما في ذلك أعمالُ التدريب المهني والتمريض. نحاولُ تطويرَ تدريبٍ مهنيٍ جديد وفريدٍ من نوعه، يمكنه أن يمنحَ المتدربات مهاراتٍ مهمة ليستخدمنها في سوق العمل وتحقق لهن تالياً التمكينَ الاقتصادي. للأسف لا تستطيعُ الكثيرات من النساءِ تحقيقَ الاستقلاليةِ في الوقت الحالي، وهذا ما نحاولُ التغلبَ عليه ومعالجته في عملنا. صحيحٌ أنه أُنجزِت أعمالٌ تركزُ على تمكينِ النساءِ هنا في المعرة، إلا أننا نشعرُ بأنَّ الخطواتِ العملية المتخذة لتمكينِ النساء اقتصادياً لم تحظَ بالاهتمام المطلوب. فلا يوجد ما يكفي من الجهودِ المبذولةِ في مجالِ التسويقِ وإدارة المشاريع".
- مُزْنة، منظمة النساء الآن من أجل التنمية

تغييرُ الرؤى

رأى جميع المتحدثينَ معنا تحولاً في المواقفِ تجاه عملهم، وخصوصاً في إدلب التي كانت تُعتَبَرُ تاريخياً منطقةً مُحافِظةً للغاية في سوريا. وفي كثيرٍ من الأحيان أمكنَ إحداثُ هذا التغيير من قِبلِ القيادياتِ الشجاعات اللواني أنشأن البرامجَ التي واجهت في البداية تحدياتٍ أو شكوكاً، ولكنها مع الوقت باتت تحظى بالقبولِ والنساء باحترام المجتمع.

"عندما بدأنا لم يكنِ المجتمعُ مؤيداً أو متقبلاً لفكرةِ النساءِ العاملاتِ مع الدفاعِ المدني السوري [أو الخوذ البيضاء]، إذ أنَّ المجتمعَ محافظٌ تماماً. ولكن، بعدما لمسوا أثَرَ تلك المراكز على حياتهم، أصبح الجميع يُبدون الدعمَ لعملنا وبدأ الناس يعبرون عن رغبةٍ في انضمامِ بناتهن إلى الدفاعِ المدني السوري".
- نورا حلبي (اسم مستعار)، الخوذ البيضاء
"التعرضُ للانتقادِ واردٌ على الدوام. في البداية، لم يعتبرِ المجتمعُ المحلي رؤيةَ امرأةٍ تضطلعُ بالعديدِ منَ الوظائفِ والقيام بكل ما ترغبُ به أمراً عادياً. ثم بدأ أفرادُ المجتمعِ المحلي بتغيير أفكارهم تجاهي، وإنْ بوتيرةٍ بطيئة. أنا أعتقد الآن بأنهم ينظرون إليّ باعتباري قدوةً ومثالاً للشاباتِ الأخريات في المنطقة".
- مريم شيروت، المنظمة السورية للنساء وزوم إن
"بعد نشوبِ الثورة توفرت فرصُ عملٍ كثيرة ومُنِحَت للنساء. لقد تغيرَت الأمورُ والمفاهيم منذ عام 2011. أنا أعرفُ الكثيرَ من النساءِ من البرنامج القيادي اللواتي يعملن الآن بينما يبقى أزواجهن في المنزل ِمع الأطفال. ما يهمُ الناسَ حالياً هو الحصولُ على دخلٍ لتأمينِ المعيشة. باتَ هذا الأمر شائعاً ولم يعدْ المجتمعُ المحلي يعترض عليه".
- مُزْنة، منظمة النساء الآن من أجل التنمية
"تتمثلُ الفكرةُ الأساسيةُ لعملنا في التأثير على المجتمع. إننا نتقدمُ ببطء، ولكننا شهدنا تغيراً كبيراً منذ عام 2013. فعلى سبيل المثال، عندما فتحنا أولَ مركزٍ نسائي لم يكن مقبولاً مِنَ المجتمع المحلي. حالياً لدينا العشراتُ من مراكزِ النساء، وأضحى عملُ المرأة أمراً طبيعياً. إنَّ السكان يرغبون في عمل بناتهم في مراكزنا. وينطبقُ الأمرُ نفسه على مركزِ الفتيات المراهقات".
- رائد فارس، اتحاد المكاتب الثورية
03

مواجهةُ تهديدِ التطرف

بالنظرِ إلى ما هو أبعدَ من العملِ الإنساني، يبقى عددٌ كبيرٌ من مجموعاتِ المجتمع المدني ناشطاً في إدلب بهدفِ قيامِ مجتمعاتٍ محليةٍ تعدديةٍ وتشاركية. ويشملُ ذلك الهيئات القائمة على الحوْكَمة مثل المجالس المحلية، وكذلك تلك التي تركزُ على القضايا مثل حقوقِ النساء ومشاريع التنمية المحلية والإعلام. ويؤكدُ الأشخاصُ الذين تمت مقابلتُهم لإعدادِ هذا التقرير مراراً وتكراراً أنَّ رؤيتَهم لسوريا ديمقراطية سلمية تستمرُ في تحفيزِ عملهم.

منذ عام 2013، واجهت مجموعاتُ المجتمعِ المدني هذه على نحوٍ متزايدٍ تهديداتٍ متعددة من أعمالِ التخويفِ والعنف بعدما عززت الجماعاتُ المتطرفةُ مكانتَها بين فِرَقِ المعارضة في المنطقة. والأهم من ذلك، بدأت "هيئة تحرير الشام" الهيمنةَ والسعيَ إلى السيطرةِ على المجالسِ المحليةِ والخدمات والموارد التي سيطرت عليها 10.

على الرغم من أنَّ وجودَ "هيئة تحرير الشام" لا يزالُ مسألةً ذات أهمية وخطورة كبيرة، فإنَّ سيطرةَ الجماعة على إدلب ليست منتظمةً ولا كاملة، إذ نجحت كل من الأتارب وإحسم وأرمناز في إبقاءِ الفصيل المسلح خارج نطاقاتها. كما تمكنت بداما، حيش، الجانودية، وكفرتخاريم وباقي غرب ريف حلب من جعلِ تأثيرِ "هيئة تحرير الشامِ" في حده الأدنى.

وبخلافِ هذا التهديدِ المباشر الذي يصدر عن الفصيلِ المسلح للمجتمعِ المدني في سعيِه إلى السيطرةِ على الموارد، فإن صعودَ الهيئة يقوضُ كذلك آمالَ المجتمعِ المدني في تحقيقِ السلام والاستقرار، ذلك أن وجودَ المسلحين بحد ذاته يوفر ذريعةً لاعتداءات النظام والغارات الروسية.

وقد أكدت كل المصادر في إدلب أنّ السكانَ لا يحبذون وجودَ "هيئة تحرير الشام" في المنطقة، إذ يعتقدُ العديد من أبناء إدلب بأن انتشارَ ذلك الفصيل المسلح يعطي مبرراً للهجماتِ العسكرية ضدهم، وهم على درايةٍ بتأثيرِ ذلك على المساعداتِ المقدَّمة لهم. وخلصت دراسةٌ أجريت عام 2017 إلى أن 77% من الأشخاصِ الناجين لا يوافقونَ على وجود "هيئة تحرير الشام" والمجموعات السلفية الأخرى في إدلب، إذ رفضَ 73% منهم المجالسَ التابعةَ لـ"هيئة تحرير الشام" في المنطقة. وجميعهم تقريباً يعتقدون بأنَّ الهيئةَ مناهضةٌ لأهدافِ الثورة.11

ويُظهرُ تحليلٌ لعددٍ من مجموعاتِ المجتمعِ المدني السوري بحسبِ المناطقِ الفرعيةِ في إدلب، وجودَ علاقةٍ بين عددِ منظماتِ المجتمعِ المدني العاملةِ وعددِ الاحتجاجاتِ المناوئةِ لـ"هيئة تحرير الشام" فيها. فكلما زادَت نسبةُ نشاطاتِ المجتمع المدني ارتفعت قدرتها على مواجهة الهيئة والتصدي لها.

لقد اعتمدت المجتمعاتُ المحلية لردِ تأثير "هيئة تحرير الشام" إلى حدٍ كبيرٍ على قدرةِ مجموعاتِ المجتمع المدني على تنظيمِ احتجاجاتِ الشوارع وأعمالِ المقاومة ضد الفصيل المسلح 12، وغالباً ما يكون ذلك على حسابِ تعريضِ الناشطينَ أنفسهم لخطرٍ كبير. وبالفعل، في 2 آذار/آذار 2018، مُنعت "هيئة تحرير الشام" من دخول الأتارب بفضلِ عشراتِ المدنيين الذين تظاهروا في الشوارع. بعد ذلك أعلنَ رئيس المجلس المحلي التوصلَ إلى اتفاقٍ يقضي بعدمِ محاولةِ المجموعةَ الدخولَ ثانيةً.

لو أرادَ سكانُ إدلب التخلصَ من "هيئة تحرير الشام"، فهم بلا شك بحاجةٍ إلى المساعدة. المجالسُ تتطلبُ التمويلَ حتى تتمكنَ من الاستمرارِ في تقديمِ الخدماتِ الأساسية، وتحتاجُ المنظماتُ المجتمعيةَ الدعمَ لمواجهةِ تأثير "هيئة تحرير الشام"، ويريدُ المتظاهرون تغطيةً إعلامية لحملاتهم؛ ويجب أنْ يكونَ هناك اعترافٌ بحقيقةِ أنَّ المجتمعَ المدنيَ وحدَه لا يستطيعُ أن يفعلَ الكثيرَ بمفرده في مواجهة الجهاتِ العسكرية.

تمكنت "داعش" بسرعة من إقفالِ منظماتِ الإغاثةِ الأجنبية ووسائل الإعلام في مناطق وجودها، مما سمح لها بالسيطرةِ المطلقةِ على المناطق التي تديرها داخل "خلافتها". إذا استطاعت "هيئة تحرير الشام" تقليلَ عددِ المؤثرين الخارجيين والعاملين في مجال الإعلام في محافظة إدلب، ستكون أكثرَ قدرة على إحكامِ قبضتها على المنطقة، ذلك أنَّ التطرف ينمو ويزدهر في الظلام. وتالياً فإنَّ الحفاظَ على حصةٍ مدنيةٍ في المجتمع يسمحُ بـ"بصيصٍ من الأملِ والنور".

تتلقى العديدُ من مجموعاتِ المجتمع المدني هذه في إدلب تمويلاً دولياً، وغالباً ما يكونُ في إطارِ ما يُعرفُ ببرامجِ "الاستقرار" الخاصةِ بالجهاتِ المانحة. كان التمويلُ ثنائياً بشكل أساسي، إذ كانت الجهاتُ المانحةُ الغربية، مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، تمولُ مختلفَ مساراتِ العمل. وكان بين شركاء التنفيذ منظماتٌ مثل "آدم سميث الدولية"، "كرييتف"، الجمعية الألمانية للتعاون (GIZ) وسواها.

ومع ذلك، فإن ضمانَ استقرارِ التمويل وديمومته يتعرضان للتهديد، فقد أفادت منظماتُ المجتمع المحلي بأن الممولين ينسحبونَ بسبب مخاوفٍ من تأثيرِ "هيئة تحرير الشام". وتستخدم المجالسُ والمجتمعاتُ المحلية شبحَ تقليصِ التمويل، أو التقليص الفعلي للتمويل، وسيلةً للتعبئة الشعبية في محاولةٍ لإنهاء سيطرةِ "هيئة تحرير الشام"، على الرغم من أنها تبلِّغُ عن صعوبةِ الحفاظِ على السلطةِ والتأثير عندما تكونُ غيرَ قادرةٍ على توفيرِ الخدماتِ نتيجةِ نقصِ الأموال.

إنَّ إحجامَ الجهاتِ المانحةِ عن توفيرِ التمويل لأنه قد يُفضي إلى إفادةِ "هيئة تحرير الشام"، وإنْ بشكلٍ غير مباشر، أمرٌ مفهوم إلى حدٍ ما. غير أنَّ قطعَ المساعدات عن المجتمعِ المدني يعرِّضُ المنطقةَ لخطرِ زيادةِ تأثيرِ الهيئة بدلاً من القضاء عليه. فمِنْ خلالِ تجويعِ المجتمعِ المدني للأموال، يقللُ المجتمعُ الدولي قدرتَه على التصدي لـ"هيئة تحرير الشام".

وبخلافِ الحملاتِ الواسعة النطاق على تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" من قبل الحكومات الغربية والجهاتِ المانحة الأجنبية، لم تُواجَه "هيئة تحرير الشام" بحملاتِ مكافحةٍ على النحو نفسه. تحتاجُ مجتمعات إدلب إلى المواردِ لمواجهة سيطرة "هيئة تحرير الشام"، لأنه من خلال الحفاظ على الإمكاناتِ التي تمنحها السلطة والقوة في مواجهة تهديداتِ الفصيل المسلح، إلى الدعم السياسي، تستطيعُ رفعَ الصوت ضد المتطرفين. إنَّ تعزيزَ المجتمع المدني وتشجيعه يعني تمكينه من الصمود والتصدي. ما نحتاجه ببساطةٍ هو المزيد من العمل في المنطقة.

يدرِّس عبد الكافي الحمدو علمَ اللغة و الرواية الحديثة في جامعةِ حلب الحرة في ريف إدلب

"عندما فتحت جامعةُ حلب الحرة أبوابها، بدأ الآلاف من الناسِ الدراسة، كانَ بعضُهم يقاتل، وبعضهم لم يكن يفعلُ أي شيء، فالجامعةُ تساعدُ الشبابَ على التغيير. طلابي أبطال.

إذا غادرنا سوريا فإننا نخشى توجهَ هذا الجيلِ إلى النظامِ السوري أو تبنيهِ أفكاراً متطرفة. علينا أنْ نعلمَهم معنى الديمقراطية، والمعنى الحقيقي للحرية والديمقراطية. قد يضيعون من دوننا.

حضرَت [حكومةُ الخلاص - السلطة المدنية التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"] إلى الجامعة وعيّنت رئيساً لها. نحن طبعاً لا نعتبرُه رئيساً للجامعة. فعندما يدخلُ قاعات التدريس نتجنبُ حتى النظرَ إليه. احتجَ الطلابُ مجتمعين إلى أنْ تمكنوا من طرده.

ردوا [حكومة الخلاص] بإقفال أبوابنا. فتجمعنا خارجَ الجامعة وبدأتُ بتدريسِ علمِ اللغة لطلاب السنة الرابعة. انضمَّ بعضُ الطلاب الذين لا ينتمون إلى الصفِ للاستماعِ إلى المحاضرة لمجردِ أنها كانت تُلقى في الخارج، حتى أنَّ بعض الأشخاص تابعوها من شرفاتِ منازلهم. كانوا [المسلحون التابعون لحكومة الخلاص] يستمعون إلينا أثناء إعطاءِ المحاضرة في الخارج.

يمكننا التغلبُ على تلك المشاكلِ مع حكومة الخلاص، لكننا لا نستطيعُ التغلبَ على القصف. ليس ثمة ما يمكننا فعلُه. عندما يكونُ هناك قصفٌ عنيف، نتوقفُ عن الذهاب إلى الجامعةِ ونبدأ بإلقاءِ المحاضرات عبر الإنترنت".

رائد فارس هو مؤسسُ اتحاد المكاتب الثورية ورئيس مجلس إدارتها

إنَّ معظم موظفي الاتحاد من النساء اللواتي يدِرنَ ستة مراكزٍ للمراهقات، و 12 مركزاً للأطفال وأكثر الإذاعاتِ شعبيةً في إدلب. ففي استطلاعٍ حديثٍ أجري في المنطقة اختيرت "راديو فريش" الإذاعة الأولى بالنسبة إلى 95٪ من الأشخاصِ الذين شملَهم المسحُ.

"نحن نبثُ كلَّ أنواع البرامج: برامج الأطفال، وتلك الاجتماعية والدينية، ولدينا أيضاً مسلسلات.

دُربت 28 امرأة في الإذاعة، بما في ذلك المحررت والمقدمات، لمدة سنتين. العام الماضي كانت الموسيقى محظورةً وكذلك أصوات النساء. لم نكن نريدُ أن نقولَ لهن أن يذهبنَ إلى منازلهن، ولم نكن نريدُ أنْ نخسرَ مهاراتهن. فتوصلتُ إلى فكرةِ تغييرِ أصواتهنَ رقمياً من خلال برنامجٍ على المحوسب لجعلها تبدو مثلَ أصواتِ الذكور. كما لعبنا أصواتَ الحيوانات في خلفيةِ الأخبار: الماعز، الصراصير، الضفادع، الديكة، وكل ما يمكنُ أنْ يخطرَ في بالك. وقد كانَ جلياً للجميع بأنهم يسمعون صوتَ امرأةٍ وأننا عدلناه كاستجابةٍ ساخرةٍ لقرارِ حظرِ الموسيقى.

لدينا برنامجٌ يُبثُ تحت اسم "مرصد" يراقبُ حركةَ الطائراتِ الحربية ويحذِرُ الناسَ عبرَ الأخبار العاجلة إذا كانت طائرةٌ تُقلعُ من قاعدةٍ جويةٍ على سبيل المثال.

نحنُ نتمتعُ بسمعةٍ طيبةٍ في المنطقة وهذا يرجعُ بشكلٍ رئيسي لكونِ عملنِا على أرضِ الواقع يتحدثُ عن نفسه. يؤمنُ معظمُ الناسِ اليوم بأنَّ عملَ المجتمعِ المدني هو أفضلُ ما حدثَ في السنوات السبع الماضية".

مُزْنة، المديرةُ الإدارية في مركز النساء الآن من أجلِ التنمية في معرة النعمان، وهي كانت درست الهندسةَ الطبيةَ الحيويةَ في جامعةِ حلب قبل أنْ تُنشئ مركزَ تعليمٍ مجاني للنساء عام 2014

"لدينا مركزان في إدلب، واحدٌ لتمكينِ النساء وآخرَ عبارة عن مقهى إنترنت مخصصٍ للنساء. لدينا غرفةٌ للرعاية اليومية فيها جليساتُ أطفالٍ مدربات.

لقد بدأنا مع برنامجِ القيادة للمرأة الذي يوفرُ مجموعةً من المهاراتِ التي تعِدُ النساءَ ليضطلعن بمهماتِ صنعِ القرار. وقد ساعدت تلك المهاراتُ العديدَ من النساءِ على العملِ مع المجالسِ المحلية ومنظماتِ المجتمعِ المدني.

فبمجردِ أن تبدأَ المرأةُ بمغادرةِ المنزل وحضورِ الدورات، تكتسبُ المعرفة وترى صديقاتِها وتلتقي بصديقاتٍ جديدات. وهذا الأمرُ وحدهُ كافٍ لدعمِ المرأةِ وتمكينِها.

ما تنفكُ أمي تكررُ على مسامعي: "أرى أحلامي تتحقق من خلالك".

إنَّ المرأةَ التي فقدَت زوجهَا تحتاجُ أنْ تكونَ معيلةً لأطفالها. فبالنسبة إليهم لا تزالُ الحياةُ مستمرةً. إننا نمتلكُ الرغبةَ في الحياةِ وفي الإنجازِ والحصولِ على الاستقلالية.

أنا أعرفُ العديدَ من النساءِ من برنامجِ القيادة اللواتي يعملنَ الآن بينما يمكثُ أزواجُهن في المنزلِ مع الأطفال".

04

التوصياتُ

توصياتٌ موجهةٌ إلى المجتمع الدولي الذي يمتلكُ القدرة على دعمِ المجتمعِ المدني في إدلب

إنَّ إدلب مشكلةٌ كبيرةٌ تتطلبُ حلولاً كبيرة. إنَّ القاعدةَ الأساسيةَ متشائمةٌ، والأولوياتُ مفقودةٌ، وقراراتُ التدخلِ تُتَخذُ على أساسِ المُخاطرةِ، بدلاً من الفائدةِ المحتملة.

إنَّ استمرارَ سياسةِ الدعمِ لِما بعدِ الهجماتِ الجويةِ واحتواءِ التهديد الإرهابي، بهدفِ مجردِ إبقاءِ الناسِ على قيدِ الحياةِ منْ خلالِ التدخلِ الإنساني الأساسي، يطرحُ مشكلةً على المدى الطويلِ ويقوِّضُ الثقةَ في المجتمع الدولي.

تقفُ إدلب على مفترق طرق، ولكن إذا استثمرَ السياسيون الدوليون والمانحون والمنظماتُ غير الحكومية الدولية وصناعُ القرارِ في المجتمع المدني، سنلمس أفكاراً وحلولاً تنمو وتزدهر.

وأخيراً، يجب النظرُ بجديةٍ كذلك إلى إشراكِ الناس في إدلب في أيِ عمليةٍ سياسيةٍ كانت. يمثل هؤلاء أكثر من 10٪ منْ نسبةِ السكان قبل الصراع، ولكن مع أكبرِ تجمعٍ للمجتمِع المدني، ويجب أن يُحسبَ حسابٌ لأصواتهم وآرائهم.

الحدُ من الهجمات الجوية وإنهاؤها

"التمويلُ مهمُ، وقد ساعدنا، إلا أنَّ إيقافَ الهجماتِ الجويةِ هو مطلبُنا الأول. كلنا نعلمُ أنَّ المجتمعَ الدوليَ قادرٌ على إيقافِ الهجمات لو أراد ذلك"
- مُزْنة، منظمة النساء الآن من أجل التنمية

بعيداً من التأثيرِ على الحياةِ المدنية وخسارةِ الأرواح، تؤثرُ الهجماتُ الجوية بشكلٍ أكبرَ في الطريقةِ التي تستهدفُ بها المجتمعَ المدني وتعيقُ قدرتَه على العمل.

بحسبِ بعضِ الأشخاص الذين أُجريت معهم المقابلات، فإنَّ تدخلَ المجتمعِ الدولي سيحولُ دونَ وقوعِ هجماتٍ جوية. فلا مناصَ من أنْ يقومَ المجتمعُ الدولي بدراسةِ كل الخيارات لوقفِ الهجماتِ الجويةِ على إدلب. ومن شأنِ هذا التوقفِ أنْ يوفرَ الظروفَ لمحادثاتِ سلامٍ حقيقية وذات صدقية.

يجبُ على المجتمعِ الدولي:

  • استنفادُ كل التدابير لحمايةِ المدنيين ووقفِ الهجمات الجوية على وجه السرعة يجبُ أنْ يكونَ وقفُ القصفِ الجوي أولويةً أولى للمجتمع الدولي من أجلِ الحماية الفوريةِ للمدنيين، ويجب التعاملُ مع هذا الأمر بطاقةٍ متجددةٍ وتركيز. إنَّ واقعَ أنَّ إدلب منطقةٌ جغرافيةٌ متاخمةٌ للحدودِ مع تركيا يعني أنَّ بعضَ خياراتِ الحماية قد يكون أسهلَ من حيث التنفيذِ من المناطقِ الأخرى في البلاد. ويجبُ اتخاذُ تدابيرِ الحمايةِ مع التركيزِ الواضح على إنقاذِ الأرواحِ والربطِ باستراتيجيةٍ أوسع نطاقاً للتوصلِ إلى مفاوضاتٍ لإنهاءِ الحرب.
  • يجب إعادةُ انخراطِ "أصدقاء سوريا" في الحوار بشأنِ الحماية. يجب بذلُ الجهود ِلاستعادة مطلبِ الحمايةِ من عملية أستانة، وجعلهِا شرطاً لعمليةِ محادثات جنيف.

وعلى المدى القصير:

  • يجبُ أنْ تقدِّمَ الحكوماتُ المانحةُ التمويلَ المحددَ لتعزيزِ المرافق والمباني يشكلُ الفصلُ الحالي بينَ الطوارئ الإنسانية والتمويل الإنمائي فجوةً للمشاريعِ التي تربطُ بين الاثنين، مثل التدابير الوقائية للمستشفيات في سوريا. هذا هو المطلبُ الأساسي للعاملين في المجالِ الطبي في البلاد.
  • يجبُ أنْ يستمرَ الدعم ُالمقدَّمُ لأفراد المجتمع المدني الذين عانوا النزوح القسري دفعَ العاملون في المجالِ الإنساني وممثلو المجتمع المدني ثمناً باهظاً لعملهم، إذ أُرغِمَ الكثيرُ منهم على النزوح لأكثر من مرة وتم استهدافُهم مِنْ قِبلِ العديد من أطراف النزاع المختلفين. بالنسبة إلى النازحين من مناطقَ "متصالحة"، عودتُهم غير مرجحة. وقد شاركَ العديدُ من هؤلاء الممثلين في أعمالٍ مُمَولةٍ دولياً وينبغي دعمُهم لمواصلةِ هذا العملِ بمجرد وصولِهم إلى إدلب.

دعمُ المجتمعِ المدنيِ في مقاومةِ التطرفِ في إدلب

"إنَّ جماعاتِ المجتمعِ المدني قادرةٌ على التغلبِ على الإيديولوجياتِ العنيفة والمتطرفة في "داعش" وتنظيم "القاعدة"، لكننا نخشى كوْنَ الجهاتِ المانحة والمجتمع الدولي غير مدركين لهذه الحقيقة. فإذا توقفَ التمويل الدولي، لنْ تتمكنَ معظمُ المنظماتِ مِنْ مواصلةِ العمل لأننا لا نستطيعُ أن نحافظ على التمويلِ بمفردنا"
محمد راسم، زوم إن

تُعرَفُ الجماعاتُ المتطرفةُ في إدلب بجهودِها للسيطرةِ على المواردِ في المجتمع، بما في ذلك تدفقُ المساعدات. ولعلَ أفضلَ طريقةٍ لمساعدةِ المجتمعِ المدني في التغلبِ على المتشددينَ تتمثلُ في الحرصِ على حصوله على المواردِ كي يستمرَ في العمل. وعلى العكسِ من ذلك، قد يكونُ التقليصُ المفاجئ في التمويل في مصلحةِ "هيئة تحرير الشام" التي يمكنها استخدامُ ذلك في قلبِ المعادلاتِ وحشدِ الدعمِ في الأوساطِ التي تشعرُ بأنها تعتمدُ على أيٍ كان للحصولِ على الدعمِ المادي والمساعدات.

إنَّ الحرصَ على كونِ الدعمِ الدولي لا يفيدُ "هيئة تحرير الشام" بشكلٍ غير مباشر ولكن بدلاً من ذلك يدعمُ مجموعاتِ المجتمعِ المدني الحقيقية كما هو مقدَّرٌ له بالأساس، سيتطلبُ تحليلاً عميقاً وفهماً للسياق عندَ تصميم البرامج. إنَّ الجهاتِ المانحة ومن يعلمون معها بحاجةٍ لاختبارِ سيطرةِ "هيئة تحرير الشام" ﻋﻟﯽ ﻣﺳﺗوىً تدريجي ﻣن ﺧﻼلِ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊِ اﻟﻣﺣﻟﻲ بكافة مناطقه وأطيافه ﻟﺿﻣﺎنِ اﺳﺗﻣرارِ اﻟدﻋمِ ﻓﻲ أي ﻣﮐﺎنٍ ﻣﻣﮐن، وعدمِ تأثيرِ ذلك إيجابياً، بأي شكلٍ كان، على الفصيل المتشدد.

يجبُ على المجتمعِ الدولي:

  • الاستمرارُ بتمويلِ عملِ المجتمع المدني في إدلب إنَّ الطريقةَ الأكثرَ نجاحاً وسرعةً لمواجهةِ تأثير "هيئة تحرير الشام" المتزايد، ودعمِ أولئك الذين يحاولون التصدي لها، هي استمرار التدخلِ الإنساني في إدلب وتعزيزه، الأمر الذي يسمحُ للمجتمعاتِ المحلية بالاكتفاءِ الذاتي ومواجهةِ الهيئة.
  • التعريفُ باستراتيجيات الجهات المانحة بكل وضوح وغرسُ الثقة في أرض الواقع إنَّ عصبيةَ الجهات المانحة، بما في ذلك دوراتُ التمويلِ غيرِ الواضحة وغير المتسقة لعمل برامج ِالاستقرار وتلك المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، لا تساعدُ الجهاتِ الفاعلة في المجتمع المدني. أضف أنَّ سحبَ التمويلِ والفشلَ في تجديده أو تقديمِ تمويلٍ جديدٍ يؤدي إلى نتائجَ عكسية. ولا بدَّ من وضعِ التزاماتِ دعمٍ واضحةٍ وطويلةِ الأجل.
  • تطويرُ علاقةٍ أكثر مرونة وشفافية مع المنظمات إنَّ الأعباءَ البيروقراطيةَ الثقيلةَ المرتبطةَ بدوراتِ التمويلِ تقوِّضُ العلاقاتِ الشفافةَ بين الجهاتِ المانحةِ والمنظماتِ المحلية.

وفقاً لمجموعات المجتمع المدني، فإنَّ القدرةَ على مشاركةِ التهديداتِ والتحدياتِ في عملها ستكونُ مفيدةً، لكنَّ الكثيرَ منها لا يقومُ بذلك خوفاً من أن يتأثرَ التمويلُ أوْ ينقطع. تشعر المنظماتُ المحلية أنه يمكنُ إيجادُ نظامٍ أكثرَ استجابة ومرونةً لما فيه مصلحةُ الجميع. ومن شأنِ ذلك أنْ يسمحَ لمجموعاتِ المجتمع المدني بتعليقِ العملِ إذا كانَ تدخلُ "هيئة تحرير الشام" يعني الحاجةَ إلى إجراءِ مفاوضاتٍ مع المجموعةِ المتطرفة.

إيجادُ طرقٍ جديدة للشراكةِ مع المجتمع المدني

"يتمُ وضعُ معظمِ المشاريعِ من قِبلِ الجهةِ المانحةِ من دون مشاركةِ الممنوحينَ في عملية التصميم، وبعد ذلك يُطلَبُ من الممنوحين تنفيذُ البرامجِ التي طورتها الجهاتُ المانحة من دون استشارتهم. فيكونُ الحالُ إما أن يقبلوا بها أو يرفضوها. لا خيارَ أمامهم، وتالياً يرضونَ بخططٍ غيرِ عملية وغيرِ فعالة وضعتْها الجهاتُ المانحة، وذلك ليتلقوا الدعمَ ويقدموه إلى المجتمعِ المحلي انطلاقاً من فكرةِ أن الحصول على شيء ما أفضلُ من لا شيء"

- خالد ك (اسم مستعار)، عاملٌ في المجال الإنساني

يتلقى المجتمعُ المدني في إدلب الدعمَ بشكلٍ أساسي من قِبلِ المنظماتِ الدولية التي تعملُ وفقَ التعاقدِ من الباطن على أساسِ الأولويات والاستراتيجيات الدولية. ويكون هذا الأسلوبُ ضاراً بشكلٍ خاص عندما يضطرُ المجتمعُ المدني إلى منعِ التهديداتِ من الجماعاتِ المتطرفة في سياقٍ سريعِ التغير.

وسيسمحُ اتباعُ نهجٍ أكثرَ مرونةً وأطول أمداً لجماعاتِ المجتمعِ المدني بتحديدِ احتياجاتِ مجتمعاتها ودعمها. يُظهِرُ تطورُ المجموعاتِ الإنسانيةِ المحلية، مثل "فيولت" و SCD ، القدرةَ المتناميةَ في محاولةِ تلبيةِ الاحتياجاتِ الإنسانيةِ الطارئة. غيرَ أن مجموعاتِ المجتمع المدني التي قمنا بمقابلتها تعطي الأولويةَ للعملِ على مجموعةِ قضايا أوسع نطاقاً بكثير. على سبيل المثال، أكد كثيرون ممَن أجريت المقابلات معهم على الحاجةِ إلى إعطاءِ المزيدِ من الاهتمامِ للبرامج التعليمية، وخصوصاً في ظلِ محدوديةِ الفرصِ المتاحة للشباب.

يجبُ على المجتمع الدولي:

  • توفيرُ التمويل المستدام حيثُ أمكن يجبُ دمجُ عملِ المجتمعِ المدني في البرامجِ الإنسانية الدولية. وكما رأينا في التخفيضاتِ الأخيرة للتمويلِ المقدَّمِ من قِبلِ وزارةِ الخارجية الأميركية، فإنَّ التمويلَ المتاحَ لتحقيقِ الاستقرارِ معرَّضٌ للتقليصِ بما يتماشى مع الأجنداتِ السياسية. المساعداتُ الإنسانية أقل عرضةً للتأثر من تمويلِ الاستقرار.
  • بناءُ نموذجٍ جديد للدعم تقودُه المنظمات المحلية يكونُ قابلاً للتكيفِ مع السياقاتِ المتغيرة وقائماً على أساسِ الأولويات المحلية سلَّطَ التقريرُ الضوءَ على عينةٍ صغيرةٍ من عددٍ من مجموعاتِ المجتمعِ المدني العاملةِ في إدلب. لا يوجدُ نقصٌ في الأفرادِ الموهوبين ولا في المنظمات. غير أنهم يقفون عاجرين أمامَ نموذج الدعم، إذ أنهم ببساطة "منفذو" المشاريعِ المُصممةِ مِن قِبلِ المجتمع الدولي. وبدلاً من ذلك، يجب أنْ يلعبَ الشركاءُ المحليون دوراً أكثرَ مركزية في إملاءِ أولويات البرمجةِ واستحداثِ نشاطاتهم. يمكنُ أنْ يؤديَ التحولُ إلى نموذجِ دعمٍ محلي إلى تلبيةِ الاحتياجاتِ الملحةِ للمجتمعاتِ المحلية بشكلٍ أفضل، وإلى بناءِ الثقةِ ويتيح للسكان المساهمةَ في شكلٍ من أشكالِ الاستقرار في حياتهم.
  • S برمجةٌ محددةٌ للنازحين داخلياً أفادت مجموعاتُ النازحينَ بوجودِ صعوباتٍ في العثورِ على تمويلٍ أو فرصٍ لتوفيرِ التعليمِ المدرسي والعملِ المجتمعي المحلي في إدلب. كما أنه من المهمِ مراعاةُ البرامج التي تساعد في دمج هؤلاء في مجتمع إدلب والتقليلُ من إمكانيةِ التوترِ مع المجتمعاتِ المحلية هناك.
  • المزيدُ من التركيز على التعليم على الرغمِ من الاحتياجاتِ الإنسانيةِ الكبيرة، فإن هيئاتِ المجتمعِ المدني تستمرُ في التركيزِ على الحاجةِ إلى المزيدِ من الاهتمامِ بالحاجات الطويلةِ المدى، لا سيما ضرورة تقديمِ المزيدِ من الدعم للبرامجِ التعليمية، لأسبابٍ ليس أقلُها التعدادُ الكبيِر للشبابِ في إدلب.

التركيز على البرامج التي تقودها النساء

"إنَّ النساءَ السوريات رائعاتٌ وهنّ يقمنَ بالكثيرِ من الأعمالِ العظيمة. إنهنّ حرات. لا يوجدُ كيانٌ قادرٌ على التحكمِ بهن أو منعهنَ من القيام بما يُردنَ. لا يمكنُ لأحدٍ أن يوقفهن، سواء "هيئة تحرير الشام" أو "جبهة النصرة" أوسواها. إن النساءَ اللواتي يعشنَ هنا قوياتٍ ومستقلات. إدعموهن كي يتمكنّ من الاستمرارِ بما يقمنَ به!"
- مريم شيروت، المنظمة السورية للمرأة

لقد سلطَ هذا التقرير الضوءَ على مجموعةٍ من هيئاتِ المجتمع المدني التي تُظهِرُ قدرةَ المنظماتِ التي تقودُها النساء على مواصلةِ العملِ في إدلب. إن بقاءَ تلك الجماعاتِ أمرٌ حيويٌ بالنسبةِ إلى النساءِ والمجتمعاتِ التي يعملن فيها. ويمكنُ للمجموعاتِ التي تقودُها النساءُ الحصولُ على معلوماتٍ أفضلَ عن احتياجاتِ المجتمع المحلي؛ وكما يتضحُ من حالةِ العاملاتِ في الخوذ البيضاء، تقديمُ الدعمِ بطريقةٍ تعجزُ عنها المنظماتُ التي تقتصرُ عضويتها على الذكور.

إلا أن الحاجةَ إلى دعمِ المجموعاتِ التي تقودُها النساءُ تتخطى الأسبابَ البراغماتية حولَ فعاليةِ برامجها. فالمنظماتُ التي تقودها النساء تقدم رؤيةً لمجتمعٍ أكثرَ مساواة ودميقراطية في سوريا، وتطرحُ حجةً قويةً مضادةً للرؤيةِ المحافظة التي تطرحُها "هيئة تحرير الشام" وسواها من الفصائل الإسلامية. ولقد أثبتت المنظماتُ مثل منظمة "النساء الآن من أجل التنمية" بأنَّ لديها القدرة على ترسيخِ الثقةِ المحلية حتى في المجتمعاتِ المحافظة. ومن الملِّح تقديمُ الدعمِ لهذه المجموعاتِ الآَن أكثرَ من أي وقت مضى.

وقد بُذلت جهودٌ لإشراكِ النساء في مفاوضات جنيف للسلام، لكنها كانت مستهجنَةً من قِبلِ العديدِ من المجموعات باعتبارها "رمزيةً". أظهرتِ الدراساتُ الدوليةُ أنَّ درجةَ مشاركةِ النساءِ في مفاوضاتِ السلامِ يمكنها أنْ تؤثرَ بشكلٍ كبير على فاعلية عمليةِ السلام برمتها على المدى البعيد. ينطبقُ المبدأ نفسُه على المستوى المحلي. لا يمكنُ تحقيقُ أهدافِ حركةِ المجتمع المدني الأوسع نطاقاً – لمجتمعٍ يعمُه السلامُ والديمقراطية – لولا وجود المجموعاتِ التي تقودهُا النساء ودورها الريادي في إدلب.

يجب على المجتمع الدولي:

  • توسيعُ نطاقِ الدعمِ للمنظماتِ التي تقودُها النساء كثيراً ما تعالجُ الأعمالُ التي تقودها النساء احتياجاتٍ محددة للغاية، ويحدُ النقصُ في الدعمِ الدولي من قدرتِها على بناءِ برامجَ متخصصة مستقلة، مثل الدعمُ النفسي الاجتماعي لضحايا النزاع من الإناث. ويجبُ دعمُ المنظماتِ التي تقودُها النساء لتصميم برامجها واستراتيجياتها الخاصة وقيادتِها.
  • الحرصُ على إدخالِ منظارِ النوع الاجتماعي في جميع البرامج في إدلب ينبغي للمجتمعِ الدولي في كلِ البرامجِ في إدلب أنْ يواصلَ اعتمادَ "عدسة النوع الاجتماعي" التي تهدفُ إلى تعزيزِ دورِ النساء في صنعِ القرارِ في مجموعاتِ المجتمعِ المدني والمجالسِ المحلية.